الرمزية في الدراما العربية .. ممدوح حمادة نموذجا

الدراما وسيلة خُلقت من أجل التسلية و الترفية و لكن مع مرور الزمن شهدت هذه الصناعة تطورات هائلة جدا جعلت منها وعاءً جديداً للأدب.
عرف المشاهد العربي الدراما منذ سنوات طويلة وخرجت هذه الدراما أولا من رحم السينما المصرية فجاءت على شكل اسكتشات خفيفة أو سهرات تلفزيونية قصيرة ثم أخذت تتطور تدريجيا حتى حصل الإنفجار الكبير للدراما العربية مع دخول الفضائيات فتوسعت دائرة الطرح و أصبح المشاهد يحتار في الإختيار من كثرة المعروض.
و كما تعلمون اصبحت الدراما كثيرة التوجهات فمنها خرجت الأعمال المسلية البسيطة و الأعمال التي تحمل هماً اجتماعياً والأعمال التاريخية و غيرها.
و بطبيعة الحال فُرضت قيود رقابية على الأعمال الدرامية العربية فما كل ما يُكتب يتم السماح بتنفيذه و لكن قلة من الكُتاب الأذكياء كانوا قادرين على تمرير ما يريدون قوله دون أن يستشعر "مقص" الرقيب الخطر.
ولعل من أهم الكُتاب الذين مارسوا هواية التحايل على المحاذير الرقابية بذكاء شديد الدكتور ممدوح حمادة الذي عودنا دائما على السخرية من الواقع على طريقة "شر البلية ما يضحك" بطريقة تُحير المشاهد و الرقيب ماذا يقصد الرجل؟
سأختار ثلاثة نماذج لشخصيات صاغها حمادة بشكل اسقاطي ذكي على المجتمع السوري ويمكن قياسها على أي مجتمع.
أولاً شخصية "سعيد النايحة" في مسلسل بطل من هذا الزمن التي أداها الفنان ايمن زيدان فمنذ سماع اسم الشخصية تتبادر إلى ذهنك العديد من التحليلات.
فلو قسمنا الإسم إلى شقين فالشق الأول سعيد مأخوذ من السعادة و الفرح و البهجة و هنا يتبادر إلى أذهاننا سعادة المواطن السوري بمعيشته ورضاه التام او شبه التام عن حياته ولكن الشق الثاني يأتي مضاداً لهذا المعنى فالنايحة مأخوذ من النواح والنواح كما تعلمون هو البكاء على الميت فبرزت هنا الرمزية التي رماها الدكتور في بحر الأفكار و على كل صياد أن يصيدها كيفما يشاء.
وفي النموذج الثاني تأتي الشخصية التي أداها العملاق بسام كوسا في مسلسل قانون و لكن وهي شخصية ناظم أبو الخل المدير الذي يعيش وفياً للقانون لكن الظروف تجبره على التمرد فذهب هذه المرة الدكتور إلى منطقة أخرى من النقد الساخر للتعامل مع القوانين و كيف أنها "مطاطية" تحكمها الأمزجة وبالأمكان "التلاعب" بها كما يتلاعب مدني عبادي بأوتار "القانون"!.
أخيرا سأذهب إلى الرمزية العامة التي حملها مسلسل الخربة فنحن أمام مجتمع تحكمه "شخصيتين" مختلفتين في الطباع متفقتين في المبادئ و الأساليب.
وهنا تبرز الرمزية السياسية والتي ترمي إلى العلاقات بين الدول والشعوب غلفها بإقتدار ممدوح حمادة بقالب اجتماعي ساخر عرض من خلاله النماذج المختلفة للإنسان السوري أو العربي وطرق تعاطيه مع الخطاب الموجه له.
 و تبقى سخرية ممدوح حمادة اللاذعة والذكية أيضا احدى أهم مخرجات "الدراما العربية" في شكلها الناقد الساخر الذي يكهرب المشاعر ويخلط الإبتسامة العريضة بالدموع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم