في ذكرى غياب الأيقونة

 في الحادي عشر من أغسطس من سنة ٢٠١٧ م رحل عن عالمنا الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا مخلفا ورائه ارثا فنيا عظيما وحزنا لدى محبيه يوازي عدد المرات التي أضحكنا فيها حتى استلقينا على ظهورنا و انهمرت دموعنا و أحسسنا بنشوة عارمة.

لم يكن عبدالحسين مجرد ممثل خفيف الظل بل كان مؤسسة فنية قائمة بحد ذاتها وهذا ما جعله متفرد على كل أبناء جيله ولم يستطع أيا منهم أن يشاطره ذات المكانة والنجومية طوال مسيرته التي تجاوزت النصف قرن.

عبدالحسين الذي ظهر في جيل هو الأميز بين أجيال الممثلين في الكويت لم يجد بيئة متكاملة تذلل له الصعاب وتجعله يتفرغ للتمثيل فقط إنما وجد نفسه مجبرا على الخوض في مجالات عدة حتى يصل إلى التمثيل على خشبة المسرح التي لم يضاهيه فوقها أحد بالنظر الى مجمل مسيرته الفنية.

فإذا نظرنا إلى أشهر مسرحياته وأكثرها عمقا نجد أنه قام بكتابتها و إخراجها أحيانا حتى لو لم يذكر ذلك لأن لمسات "أبو عدنان" لا تخطأها عين من يعرف فنه.

ولم يكتفي العملاق الراحل بتقديم المسرحيات الاجتماعية انما سطر لنا ملاحم مسرحية توثق حقبة زمنية مهمة في تاريخ الكويت والمنطقة فمن مسرحية فرسان المناخ التي وثق فيها انهيار السوق المالية التي غيرت معادلة التركيبة المجتمعية في الكويت ما بين ثراء فاحش في ليلة وضحاها إلى افلاس وفقر شديد في أقل من رمشة عين مرورا بمسرحية فرحة أمة التي عرضت أمام قادة الدول الخليجية وناقشت عدة مواضيع تهم الشارع الخليجي وصولا الى المسرحية الأكثر شهرة سيف العرب التي صاغها "أبو عدنان" بعبقرية شديدة فلا يمكن أن تكون الضحكة حاضرة بقوة وسط الألم الشديد الذي يجسد الغزو العراقي للكويت إلا إذا كان وراء صناعة هذه الوثيقة الفنية الخالدة رجل تشرب الفن من رأسه الى أخمص قدميه ولكي تكتمل اللوحة انبرى عبدالحسين لتقديم أصعب شخصية قدمت على خشبة المسرح في المنطقة ألا وهي شخصية الرئيس العراقي صدام حسين الذي كادت أن تتسبب بقتل عبدالحسين أثناء توجهه للمسرح لتقديم أحد العروض ولكن الرصاصات التي أطلقت عليه أصابت السيارة ولم يصاب هو بأي أذى وأصر على اكمال العروض غير مكترث بالتهديدات وهذا ما يقودنا الى الحديث عن منقبة من مناقبه الكثيرة أنه كان ذو شخصية قيادية في رأيي أنها أكبر من أن تحصر في التمثيل فقط بل كان من الممكن الاستفادة منه في مجالات أخرى وهذه الشخصية جعلته في مكانة مختلفة عن جميع زملائه الفنانين وحتى لو تظاهر البعض بإمتلاك شيء من هذه الشخصية القيادية القادرة على خلق النجاح يبقى الجميع تحت ظلال أبا عدنان لأنه نسخة واحدة فقط لا تتكرر.

وغني عن الذكر أنه قدم الفرص لعدد كبير من  الممثلين وأعطاهم أدوار "أعمارهم" التي اشتهروا من خلالها ولم يستطيعوا بعدها تحقيق ذات النجاح.

إذن علينا أن نقول أن عبدالحسين هو تجربة متكاملة تستحق الدراسة فلم يكتفي الرجل بالابداع في التمثيل بل أبدع في التأليف والاخراج و اكتشاف المواهب وزاد على كل ذلك بإجادة الغناء وكتابة بعض أغاني مسرحياته وتلحينها ومن أجل هذا كله كانت خسارته موجعة للفن الكويتي الذي يتمنى كل فنان منتمي له أن يكون عبدالحسين والحقيقة أن عبدالحسين كما أسلفت لا يتكرر وربما يظهر في يوم من الأيام من يتجاوز اسطورته في الكويت ولكني أشك في قرب هذا اليوم.

قبل الختام

ربما لم يركز عبدالحسين بشكل جاد على التلفزيون وهذا ما جعل ارثه التلفزيوني أقل من المسرحي ومع ذلك ترك في ارشيف التلفزيون مجموعة متنوعة من السهرات والأوبريتات التي برع فيها بشدة بسبب امكانياته العالية في الغناء وعدد قليل من المسلسلات الأيقونية التي لا تنقطع مشاهدتها عند مختلف الأجيال في الكويت والمنطقة.

الختام

يرحمك ربي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم