مذكرات الأيام الرمادية /2
...طوال طريق العودة ظل نهاوند يفكر فيما حدث منذ بضع دقائق و ظن لوهلة أن الأمر مجرد حلم عابر سينتهي بعد لحظات حينما يستيقظ ويجد نفسه على سريره وكأن شيئا لم يكن.
أما على الضفة الأخرى لم يبالي سرمد كثيرا بما حدث انما قاد سيارته بسرعة فائقة على انغام المقطوعة الشهيرة لرامين جوادي (صراع العروش).
وكأن هذا المشهد يعبر عن العلاقة التي ستجمع الغريبين سرمد ونهاوند وبطبيعة الحال لن تكون صراعا على العرش انما صراعا سيقود كل طرف لإكتشاف الآخر أو على الأقل الاقتراب من حقيقته إلى حد كبير.
بات الفضول ينهش نهاوند من كل اتجاه وترك كل ما يشغله وصب تفكيره على ذلك الرجل الذي لا يعرف عنه سوى أنه مجهول ولا بد و أن يتقصى حوله حتى يجد الحقيقة كاملة او حتى نصفها فالمهم الآن لديه أن يعرف من هو المجهول.
و لكي تفك طلاسم ذلك اللقاء كان لابد من موعد يجمع الغريبين ليدلو كل واحد منهم بدلوه فما كان من نهاوند إلا المبادرة بطلب اللقاء مع سرمد الذي مازال حتى اللحظة لا يعرف اسمه متسلحا بجرأة الصحفي الذي يريد أن يصنع خبرا مثيرا يُكتب بالبنط العريض ويُحدث بلبلة في المجتمع.
اتصل نهاوند بسرمد واتفقا على اللقاء في صبيحة اليوم التالي و في تلك الليلة لم ينم نهاوند وبات رأسه يثور كحمم البركان من كثرة الأسئلة التي تدور فيه.
جاء الموعد المحدد ولعدم قدرتهما على اللقاء في مكان عام أصبحت سيارة نهاوند هي المكان الذي حظي بشرف أول لقاء رسمي بين الطرفين ومما يلاحظ في السيارة كثرة المعقمات والقفازات والكمامات فقد عانى نهاوند من آثار الوسواس القهري الذي تسببت به جائحة كورونا.
بدأ اللقاء باردا لا يشبه حرارة شمس مكة التي لا يخفف وطأتها في ذلك الموقف سوى التكييف وفضول الرجلين تجاه بعضهما البعض وبعد لحظات من الصمت المصحوب بنظرات الترقب والتردد في النطق من الطرفين تكلم سرمد قائلا : اسمع يا صديقي سوف أعطيك ثلاثة خيارات اختر أصحها حسب ما ترى : ابن زنا أو ابن حلال تخلى عنه أهله أو ابن حلال مات جميع أهله فما قولك؟
اندهش نهاوند من السؤال وبدت الحيرة على محياة ولم يجد ما يقوله في تلك اللحظات سوى حروف متقطعة لا تُكوّن جملة مفيدة
تدخل سرمد في الأمر و أجاب قائلا أنا أحد الخيارات الثلاث ربما أكون خطيئة اثنان تلذذا بلحظة عابرة كنت أنا ضحيتها وربما أراد القدر أن يبقيني وحيدا من سلالة ذهبت جميعا إلى خالقها و ربما ... صَمت هنا وقال : حسنا دعنا نتحدث عن هذين الخيارين فقط
وهنا نظر نهاوند لسرمد نظرة طويلة ثم قال : وما دوري أنا في كل هذا؟
وبعد تنهد شديد أجاب سرمد بالقول : أنني أصرخ منذ سنوات ولا أحد يسمع صرخاتي فهل تكون أنت الأثير الذي ينقل صوتي إلى المدى؟ ... يتبع
تعليقات
إرسال تعليق