مذكرات الأيام الرمادية/3
.. صمت نهاوند وأخرج علبة الدخان من جيبه وأشعل سيجارة دخنها كما لم يدخن من قبل وفي هذه الأثناء كان سرمد ينتظر الجواب على سؤاله هل سيكون نهاوند الأثير الذي ينقل صوته؟ أم يبقى صوته مجهولا في غياهب النسيان إلى الأبد؟
كسر الصمت صوت نهاوند وهو يخاطب سرمد أتعرف لقد سألتني السؤال الذي لم أسئله لنفسي أبدا أو ربما أحببت أن أتجاهله كثيرا وأصدق أمورا أخرى مسلية للنفس أكثر من الحقيقة المرة.
ما أنا إلا رجل صوته ينتشر في الفراغ المحيط ثم يرتد على مسامعه متضخما فيظن بأن له صوتا مسموعا لذلك يا صديقي أنا لا استطيع أن أعدك إلا بشيء واحد فقط وهو قلمي فلا أملك سلطة عليا على صوت في العالم سوى صوت قلمي أقمعه تارة وأطلق له العنان تارة أخرى فما قولك أنت الآن؟
تغجب سرمد مما سمع واستعاد اللقاء الأول الذي جمعه بنهاوند وفي تلك الأثناء عرّف نهاوند عن نفسه وكأنه رجل مؤثر وله صوته وسلطته القادرة على اختراق الصفوف والجماهير.
ثم ابتسم سرمد ابتسامة فهمها نهاوند وكأنها توحي بالسخرية منه ثم قال : اتفقنا فليكن قلمك هو لساني وصوتي
هنا نظر نهاوند الى صاحبه نظرة طويلة ثم قال لا بأس دعنا ننصرف الآن قبل أن يدركنا وقت الحظر و مجددا سوف يكون لنا لقاء مطول اسمع فيه ما تريد قوله.
بدأ نهاوند يفكر في كيفية صياغة قصة سرمد خصوصا أنه رجل صحفي ولم يمارس الكتابة الأدبية من قبل إلا على نطاق ضيق جدا فتضاربت في رأسه الأفكار ولم يصل إلى نتيجة محددة.
في صباح اليوم التالي جلس نهاوند خلف مكتبة المنزلي الصغير يحتسي كوبا من الشاي الساخن تفوح منه رائحه النعناع و يضع سيجارته في فمه وتبدو "طفاية" السجائر ممتلئة وهو منغمس تماما في قراءة كتاب (سايكولوجية الجماهير) للكاتب غوستاف لوبون ثم توقف فجأة عن القراءة و أخذ ورقة صغيرة دون عليها فكرة طرأت على باله أثناء القراءة.
ثم بعد ذلك وضع الكتاب جانبا وأشعل سيجارته الثانية بأعقاب السيجارة الأولى واتصل بصاحبه الجديد سرمد وتحاورا على الهاتف حيث طرح نهاوند فكرته على سرمد قائلا : كم عدد الأيام البيضاء في حياتك؟ فلم يجب سرمد سريعا بل صمت قليلا ثم قال: لا أخفيك سرا إنني لم أتعرف على البياض شخصيا حتى هذه اللحظة إنما أنا صديق السواد الداكن دائما.
فرد نهاوند قائلا : وهل سوادك هنا سلبي أم به إيجابيات؟
حينها قال سرمد : حقيقة لا أعلم بالضبط هل هو سلبي أم إيجابي أم محايد ثم تنهد وقال ما رأيك أنت؟
فبادره نهاوند بالقول : هل تعلم أنني أشفق على اللون الأسود لأن الناس يلصقون به السلبيات وهو منها براء ويناقضون أنفسهم أيضا بتغزلهم بجماليات هذا اللون فلا أحد يُغرم باللون الأبيض في شعره انما يريد الجميع التمسك بالأسود حتى آخر شعرة في رأسه ووجهه ومن ثم يخبرونك عن أناقة اللون الأسود في اللباس و المثقفين يحدثونك بإسهاب وإعجاب عن وقع القهوة السوداء على أمزجتهم و قدرتها الفائقة على تفتيح المخ حتى يستقبل الوحي الإبداعي ثم إذا زعل أحدهم من الآخر يضعه في القائمة السوداء ! ربما سواد القائمة لا يشبه السواد الذي يجلب الإلهام! اننا نعيش وسط الكثير من المتناقضات يا صديقي.
على أي حال ما رأيك أن نذهب إلى المنتصف ونختار اللون الرمادي؟ و تخبرني عن أيامك الرمادية ان وجدت.
ابتسم سرمد ابتسامة فيها أريحية شعر بها نهاوند في صوته ثم قال اتفقنا سوف أخبرك عن أيامي الرمادية ... يتبع
تعليقات
إرسال تعليق