ستموت في العشرين .. تجربة سودانية ثرية
للسينما بريق يختلف عن أي وسيط آخر من وسائط العرض لأنها تملك ذاكرة لا تموت بتقادم الزمن بل يموت جميع صناع الفيلم ويبقى الفيلم حيا ويشهد على الحقبة التي صنع فيها و يعرفنا على مبدعين لم ندركهم زمنيا لكننا أدركنا إرثهم الفني واستمتعنا به.
بعد مشاهدتي للفيلم السوداني ستموت في العشرين خرجت بانطباع أولي مفاده أن هذا الفيلم لن يموت في العشرين ولا الثلاثين وربما يبقى حيا إلى ما يشاء الله للسينما أن تستمر وعوامل بقاءه حيا كثيرة لعلها تتلخص في عودة الفيلم السوداني الطويل للحياة بعد موت دام عشرين عاما و ربما تكون هذه الروح التي دبت من جديد في جسد السينما السودانية بفضل هذا الفيلم بداية لصناعة سينما جديدة جديرة بالاحترام في بلد لم يصدر للعالم الكثير من الفن التمثيلي
و العامل الأكثر أهمية لبقاء الفيلم في الذاكرة أنه استند على حكاية بسيطة نابعة من صميم المجتمع المحلي السوداني وهذا ما سوف يساهم في بقائها في ذاكرة المشاهد السوداني الذي سوف يرى نفسه أو أحد من محيطه ضمن شخصيات الفيلم وفي ذات الوقت يعطي مجالا ولو يسيرا لإشباع الفضول لدى المشاهد من خارج السودان الذي يريد أن يتعرف على المجتمع السوداني وحكاياته.
إن الجمال الذي تبعثه السينما في الأنفس ليس شرطا أن يكون منبعه الأساسي انتاج ضخم أو صورة مزخرفة بل هي الحكاية التي تصنع الدهشة وتثير التساؤلات حول حقيقة الأمر من عدمه وهذا ما قدمه لنا الفيلم الذي جعلنا نشاهد المجتمع السوداني الذي تعرفنا عليه في الخليج من خلال الأفراد لكن الفيلم جعلنا ننظر للزاوية الأخرى و أطلعنا على العقل الجمعي للمجتمع السوداني وفي الحقيقة كان مستوى الفيلم من الناحية الإنتاجية مستوى ممتاز وهذا انعكس على الصورة النهائية للفيلم.
وفي الواقع قضيت وقتا ممتعا و أنا أشاهد الفيلم الذي أخرجه أمجد أبو العلاء وكتب له السيناريو أيضا برفقة الإماراتي يوسف إبراهيم مستمدين حكايتهم من قصة قصيرة للكاتب السوداني حمور زيادة.
قدم أبو العلاء صورة رائعة في الفيلم واستطاع توظيف المكان في القصة بشكل رائع فرأينا النيل و المركب و الخلوة وحتى الخيل جزء لا يتجزأ من بطولة الفيلم ناهيك عن تناول القصة لمفهوم السيطرة الدينية على مفاصل الحياة في السودان بشكل جميل ومتوازن و مبينا في الوقت ذاته أن التشدد لم يمنع وقوع الخطايا و ربما ساهم في انتشار النفاق في المجتمع للتحايل على الذنوب.
وكما ابتدأ أبو العلاء فيلمه بلقطة لطير يقف على رفات جمل ميت فقد سرد لنا حكاية بطل حكايته بذات الفلسفة فالشاب الذي عاش ميتا ينتظر يومه الموعود وقف وغير مسار حياته على أنقاض رجل لم يفكر في الموت طيلة حياته.
و مما يلفت النظر و يثلج الصدر أيضا المستوى المميز الذي ظهر به أبطال الفيلم فلم أشعر أبدا أنني أشاهد أشخاصا يمثلون بل كنت مندمجا معهم و كأنهم يعيشون حياتهم الواقعية بلا تكلف.
وتميز الفيلم كذلك بحوارات بسيطة نابعة من بيئة الشخصيات ولكنها في ذات الوقت معبرة وذات مغزى كملها المخرج كما أسلفت بصورة رائعة جعلت الفيلم كصورة جميلة داخل برواز فاخر.
و بالنسبة للمثلين فكما أسلفت تألقوا جميعا في أداء أدوارهم إلا أنني توقفت أمام الممثل محمود ميسرة السراج (قام بدور سليمان) الذي لم يكن ظهوره في الفيلم طويلا لكنه الأكثر تأثيرا في رأيي من ناحية الأداء فقد أظهر الرجل خبرة كبيرة في أداءه و قدم شخصيته بردات فعل مدروسة جعلتني مستمتعا وانتظر مشاهده بفارغ الصبر
أخيرا هنيئا للسينما السودانية هذا الفيلم رفيع المستوى و نأمل أن يكون بداية لحضور الفيلم السوداني على خارطة المشاهد العربي فالسودان بلد ثري ومغري سينمائيا لما يملكه من ثقافات مختلفة قادرة على إثراء السينما السودانية والعربية.
الختام
سمح شديد
مقال جميل ورائع فعلاً اهل السودان اهل فن ومنبع حضارات مختلفه وثريه جدا من ناحية الثقافة والارث التاريخي وهناك فقر بالانتاج الدرامي والسينمائى .
ردحذف