مذكرات الأيام الرمادية /8

 

  • … رد سرمد قائلا : وما يدريك ربما نتعارك بالأيدي ذات يوم فالتعارك ليس كله شر فالأبطال يتعاركون و الدول تتعارك وحتى الحيوانات تتعارك وهنا قطع نهاوند الكلام بقوله اترك هؤلاء كلهم وأخبرني عن قصتك الجميلة في الطفولة 

  • صمت سرمد قليلا و قال هل جربت الآيسكريم والشاورما ذات يوم من مكان واحد .. ابتسم نهاوند ورد بصوت فيه شيئا من الحنين أووووه نعم جربتها في زمان قد خلا ولا أنسى لذاذة الحالة التي كنا فيها بعيدا عن لذة الطعام من عدمها ولكن لماذا سألتني عنها؟

  • حسنا سأخبرك بالقصة كنت في الخامسة أو السادسة من عمري في تلك الأيام أخذتني والدتي التي ربتني إلى المسجد الحرام وكانت تلك المرة أول مرة أعقل فيها أهمية المكان الذي أتواجد فيه فأتذكر أنني انبهرت بالأضواء و بالعمارة دون إدراك لمعناها ثم أذكر أنني أمعنت في وجوه الناس وبدأت أسأل بعفوية الطفل و فضوله عن من رأيتهم ذلك اليوم.

  • وحينها أيضا أخذتني والدتي إلى مقام إبراهيم وأتذكر أنها حملتني فكان ذلك الموقف أول موقف أرى فيه الأشياء من الأعلى وكانت تجربة مثيرة لا تزال عالقة في ذهني رغم مرور زمن طويل عليها 

  • توقف نهاوند عند أحد أماكن بيع القهوة في الطريق لشراء القهوة قائلا لسرمد توقف قليلا فحكايتك اليوم تحتاج إلى كوب من القهوة يجعلها أكثر جمالا وبعد لحظات قال له تابع ما كنت تقوله ليرد سرمد بالقول لا أخفيك في ذلك اليوم كنت أصلي بجانب أمي وأقلد أفعالها ولكن عيني كانت تلاحق رجلا يملك كنزا جميلا يسيل له لعاب كل طفل في سني 

  • قال نهاوند ربما تقصد أحد باعة الحلوى أو البالونات؟ ليرد سرمد بالقول: نعم إنه بائع حلوى غزل البنات التي سحرني منظرها و ألوانها المبهجة ولم أكن قد تذوقت طعمها من قبل فبدأت أخطط للحصول عليها بأي ثمن فطلبت أمي فقالت إنها مضرة بالصحة ولكنني لم أفهم معنى مضرة وبدأت ألح عليها في الطلب فحينما عجزت عن اسكاتي قالت لي حسنا سأشتريها لك بشرط أن تجلس بجانبي هادئا ولا تصدر أي صوت فوافقت على الفور وكانت هذه أول معركة أخوضها في حياتي انتهت باتفاق سلام بين الطرفين ولا أخفيك أن طعم الحلوى اللذيذ كان يستحق ذلك الإتفاق .

  • ثم بعد أن إنتهينا من صلاة العشاء أخذتني أمي إلى السوق ربما لا تصدقني أن قلت لك  أنني لا زلت أشم تلك الرائحة الزكية التي كانت تنبعث من جنبات السوق و كذلك يتردد على مسامعي صوت الشيخ عبدالرحمن السديس الذي كان يصدح في المكان باعثا الطمأنينة في النفوس 

  • وبعد مشوار بسيط وصلنا إلى محل صغير الحجم مكتظ بالزبائن وفي ذلك اليوم تعرفت على الشاورما في شكلها التقليدي قبل أن تتحول إلى أشكال وألوان كثيرة فأخذت أمعن النظر في سيخ الشاورما متعجبا كيف وضعوا اللحم بهذه الطريقة بيد أن عيني ذهبت مباشرة إلى الآيسكريم الذي يباع في ذات المحل أيضا وهنا لم اتردد للحظة وقلت لأمي مباشرة أريد آيسكريم بالمانجو كوني أحب هذه النكهة لكنها اشترطت أن أكل أولا ثم ستشتري لي ما أريد وهنا وقعت على اتفاقية أخرى في ذات اليوم ولا أخفيك أنني لم أتذوق طعم الشاورما جيدا فقد أكلت من الساندويتش القليل وعقلي يفكر في الآيسكريم.

  • ولكن في ذلك اليوم أيضا تعرفت على الموت بشكل آخر فقبلها لم أكن أعرف أن الموتى يصلى عليهم وسألت أمي عن الأمر فأخبرتني عن صلاة الجنازة وأهميتها و بالمجمل كان يوما لا يمحى من ذاكرتي رأيت فيه وجوها غير مألوفة وتعرفت فيه على أشياء جديدة وعقدت فيه أيضا أول اتفاقيات شفهية ملزمة في حياتي 

  • ابتسم نهاوند وقال طالما أنك تملك في ذاكرتك أياما جميلة مثل هذا اليوم الذي يتشابه في تفاصيله مع كثير من الأيام لأطفال آخرين في نفس مرحلتك العمرية لماذا تخفيه وتصر على تذكر الأيام السيئة فقط ؟ (يتبع)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم