قصة قصيرة : من مدينة منسية إلى قصة خالدة: حكاية حفرة
أبو سعد رئيس المجلس البلدي في مدينة "الصرة" رجل تنافسي إلى أبعد حد حيث أنه يعشق الأرقام القياسية والتكريم وحفلات الشاي ويستلذ بوصلات "التطبيل" على أي إيقاع غير أنه لا يظهر مشاعر الفرح ويذكر دائما أنه لا يحب سماع الموسيقى!
غير أنه يرأس مجلسا بلديا في مدينة نائية ليس فيها ما يغري للتنافس أصلا، وهذا ما جعله يصاب بحالة من "الحساسية" المفرطة وبات "يهرش" أي شيء يقع تحت يديه أو قدميه أو بين فكيه، وبات الموظفون في حالة من الارتباك وشغلهم الشاغل البحث عن ما يرضي طموح الرئيس وينهي هذه "الحساسية".
في خضم حالة الفوضى ظهر الموظف النشيط حمد وجاء بما لم يستطع أن يأتي به الأوائل، حيث أنه بالصدفة اكتشف أن "رومانيا" تنظم مسابقة دولية "للحفر"، حيث تفوز الحفرة الأكثر عمقًا والتي تعطل السير ومصالح الناس بجائزة "الحفرة الأجمل في العالم".
أعجب أبو سعد بهذه المسابقة الشيقة وشكر حمد على حسن صنيعه وقال:
"برافو! هذه المسابقة لن تفلت من أيدينا!"
اجتمع أبو سعد مع أعضاء المجلس البلدي الموقرين وأخبرهم بأمر الجائزة، فارتفعت الأصوات بالهمس والدردشة الجانبية حتى قطع تلك الفوضى صوت المهندس مصلح، مسؤول الطرق في مدينة "الصرة":
"سيدي الرئيس، أنا أحتج على هذه المشاركة! شوارع الصرة مثل المرآة، ما فيها ولا حفرة وتلمع من النظافة!"
استعجب أبو سعد ورمق المهندس مصلح بنظرة مفادها "دافنينه سوا!"
"حضرة المهندس مصلح، نحن لا نشكك في عملكم، لكن هذه مسابقة دولية، ومدينتنا 'الصرة' إلى اليوم قوقل ماب ما يدري وين مكانها، وهذه فرصتنا للعالمية!"
نظر أعضاء المجلس إلى بعضهم البعض وهم في حالة تردد، ثم أخبروا أبا سعد أنهم موافقون على المشاركة في المسابقة من باب جلب الشهرة العالمية لمدينتهم النائية التي لا يعرفها أحد، وهنا شكل أبو سعد خلية لإدارة هذه المهمة المصيرية التي ستجعل "الصرة" تظهر على الخريطة لأول مرة في تاريخها.
وفي زاوية المجلس، ابتسم حمد بخبث وهمس في أذن المهندس مصلح:
"خوينا بلع الطعم!"
ابتسم المهندس مصلح وقال:
"كل شيء في وقت حلو."
بدأ فريق العمل في البحث عن "حفرة" تحقق متطلبات وشروط لجنة التحكيم الرومانية، وبدأت جولات البحث هنا وهناك، وبالفعل وجدوا في كل شارع من شوارع المدينة "حفرة"، ولكن لا تنطبق عليها شروط الجائزة ولا حتى معايير التقييم للترشح النهائي.
ضاق أبو سعد ذرعًا من أخبار اللجنة التي لم تجد "الحفرة" المنشودة، لذلك وجه بتشكيل لجنة لدراسة سبب عدم وجود حفرة مناسبة للجائزة، وبدأت اللجنة الجديدة أعمالها وتوصلت إلى أن السبب يعود إلى أن المدينة كلها عبارة عن شوارع فرعية ضيقة لا تتمكن السيارات فيها من المرور، عدا شارع واحد الذي يوجد به منزل رئيس المجلس البلدي، وهذا شارع ليس به أي "حفرة"!
وهنا أمر أبو سعد المسؤول عن الشوارع أن يحفر "حفرة" مطابقة للمواصفات والمقاييس أمام باب منزله حتى تستطيع مدينة "الصرة" المشاركة في المسابقة والمنافسة على المركز الأول بجدارة واستحقاق.
استلم المهندس مصلح الأمر وهو في غاية السعادة، حيث يرى نفسه أحق برئاسة المجلس من أبو سعد، وهذه فرصته النظامية حتى يعكر صفو أبو سعد دون أن يلحقه أي جزاء.
في اليوم التالي جاءت المعدات وحفرت "حفرة" عميقة في الشارع قسمت الشارع إلى نصفين!
وحرص المهندس وفريق عمله على جعلها مطابقة للمواصفات والمقاييس، ونجحوا في ذلك، وجاء فريق التصوير والتقطوا الصور وبمعيتهم رئيس المجلس أبو سعد الذي كان في قمة السعادة، قبل أن يتفطن للكارثة التي حلت بالشارع، حيث أصبح باب منزله ينفذ على "الحفرة" مباشرة، وبهذا الشكل لا يستطيع الدخول والخروج بسهولة!
انفعل أبو سعد وغضب وأمر المهندس بردم الحفرة، غير أن المصائب لا تأتي فرادى، حيث تشترط الجائزة بقاء "الحفرة" حتى آخر يوم في المسابقة، فإن فازت، جاء فريق من "رومانيا" لتقديم الجائزة لها شخصيًا.
احتار أبو سعد ماذا يفعل حتى يدخل بيته ويخرج بدون مشاكل، واهتدى إلى وضع سلم سيارة الإطفاء الوحيدة في المدينة على جدار المنزل حتى يصعد عليه وينزل، ريثما تنتهي المسابقة وتفوز مدينة "الصرة" بالمركز الأول.
وفي تلك الأثناء، كان المهندس مصلح يعد تقريرًا كاملاً عن "حفرة" منزل رئيس المجلس البلدي التي قسمت الشارع إلى نصفين حتى لا ينزعج الرئيس بأصوات السيارات المارة من الشارع، وفي ذات التقرير، ذكر المهندس مصلح أيضًا قصة سلم عربة الإطفاء التي أصبحت من ممتلكات أبو سعد.
بعد أيام وصلت لجنة تحقيق من المجلس البلدي العام، وهو السلطة الأعلى، ورأت اللجنة أبو سعد وهو ينزل من السلم المعلق على جدار منزله للترحيب بهم.
بدأ التحقيق مع أبو سعد في مقر المجلس البلدي وأخبرهم عن قصة جائزة أفضل "حفرة" التي أخبره عنها حمد، الذي أنكر معرفته بالأمر، بل وأنكر كل أعضاء المجلس معرفتهم بقصة الجائزة المزعومة التي لا يصدقها عاقل!
وفي لحظة صمت، فتح رئيس اللجنة جهازه المحمول وقال:
"يا جماعة... فتّشت الدنيا شرق وغرب، ما لقيت لا جائزة رومانيا ولا حتى جمعية دولية تهتم بالحفر! من وين طلعتوا لنا بهالقصة؟"
ارتبك أبو سعد وقال:
"حمد... هو اللي جابها!"
رفع حمد يديه وقال:
"أنا؟! أول مرة أسمع بهالخرابيط، يمكن كنت تحلم يا أبو سعد."
وفي تلك اللحظة، كان المهندس مصلح ينتظر من بعيد تعيينه رئيسًا للمجلس بعد إحالة أبو سعد للطب النفسي للتأكد من قواه العقلية أولًا قبل محاسبته على سوء استغلال الوظيفة.
وبعد أيام، وصل قرار المجلس البلدي العام بإغلاق مجلس مدينة "الصرة" لعدم جدوى استمراره!
فوقع الجميع في "الحفرة" التي حفروها لأبو سعد، ومن تلك اللحظة أصبحت "حفرة رومانيا" معلمًا سياحيًا وأشهر مكان في مدينة "الصرة"، حيث لا يظهر من المدينة في خرائط "قوقل ماب" سوى موقع "الحفرة" التي أصبحت قصتها متداولة وفي كل رواية تزيد الحقائق المدفونة حسب زعم "الرواة"، أما أبطال القصة الحقيقيين فما زالت الصحافة والإعلام ومقدمو البودكاست يبحثون عنهم بلا جدوى، واستغل أبو سلطان، فراش المجلس البلدي في "الصرة" سابقًا، الوضع وبات ضيفًا دائمًا على الإعلام، وفي كل مرة يغير الرواية حسب معطيات المرحلة.
✨ ماذا عنك؟
هل سمعت من قبل عن قصة عبثية تحولت إلى "معلم" أو "حدث مشهور" في مدينتك أو منطقتك؟
شاركني قصتك أو رأيك في التعليقات ✍️

تعليقات
إرسال تعليق