مذكرات الأيام الرمادية /9

 

  • … نظر سرمد إلى نهاوند وابتسم ابتسامة ساخرة وقال : إن الأمر برمته لا يتعلق بالرغبة وحدها فالرغبة دون قدرة لا تساوي شيئا على الإطلاق و لا أظن أن إنسانا يحب أن يذكر اللحظات السيئة في حياته بيد أن الذكريات تدفع بعضها بعضا فالسيء منها يدفعه الحسن حتى يمحوه لكن في ذاكرتي أنا تحل الذكريات الجميلة كضيف يكره أن يطبق سنة العرب في اكرام ضيوفهم بينما الذكريات السيئة تطبع في ذهني كطباعة كتاب قيم اشترى منه الناس ملايين النسخ!

  • أخرج نهاوند سيجارة من علبة السجائر الخاصة به و أشعلها ثم ارتشف منها رشفة طويلة أخرجها على شكل دخان كثيف وحينما وضع السيجارة بين أصابعه تكلم و قال : طالما أن اللحظات السيئة لا تدفعها اللحظات الجميلة عليك أن تعلن حالة الطوارئ والأحكام العرفية وتتبنى سياسة القتل بالشك دون اليقين و عليك الإستمتاع بلحظات إعدام تلك الذكريات بل و يجب عليك التفنن والإبتكار في طرق الإعدام

  • ضحك سرمد ثم قال يبدو أنك تحت تأثير فيلم عن النازية و أفران هتلر أو أنك منغمس في قراءة حقبة محاكم التفتيش في أوروبا أو ربما أرشدتك قراءتك عن ستالين و موسوليني وغيرهم من السفاحين إلى هذا القول , لا بأس سأناقش فكرتك بالعقل ثم نرى النتائج كيف ستكون

  • ربما يا صديقي أن إعدام كائن حي أسهل بكثير من إعدام ما أختمر في رأسه من الذكريات والمواقف والأحداث طوال سنين عمره فلو افترضنا أنني سوف أعدم ذكرياتي السيئة واحدة تلو الأخرى هل تعرف ماذا ستكون النتيجة؟

  • رد نهاوند قائلا : نعم ستكون نتيجة مذهلة تجعلك صافي الذهن بلا ضغوطات تؤرقك في صحوك ونومك إنك إن فعلت ذلك ستكون قادرا على بدأ الحياة من جديد بأوراق بيضاء لم يمسها حبر وعندها عليك كتابة ما تشاء من الذكريات الجميلة

  • صمت سرمد قليلا ثم قال : جانبك الصواب هذه المرة يا صديقي فالإنسان كتلة من المشاعر المختزلة فيما راكمه من ذكريات وأحداث فهذا يعني أن إعدام جزء من تلك الذكريات يؤدي إعدام جزء من الروح والعقل والجسد ويعني أنك تفقد نفسك مع كل جزء تسمح له بالرحيل كليا وهذا إما أن يقودك للجنون أو لفقدان الذاكرة وفي الحالتين لن تكون أنت 

  • وهنا قال نهاوند : أختلف تماما مع فلسفتك فخسارة مشاعر مؤلمة مكسب عظيم حتى وإن أدى ذلك إلى الجنون وفقدان الذاكرة ففي كلا الحالتين ستعيش حياة جديدة فيها مواقف جديدة و ربما وجوه وأماكن جديدة ولا أخفيك أن فكرة الجنون تغريني أحيانا فالمجنون كائن حر لا يهتم لرأي أحد لا يتأنق من أجل الناس ولا يكتم ما في صدره خوفا أو حياء أو حتى نفاقا , ولا يهتم بالغد ولا يفكر سوى في اللحظة التي يمارس فيها حياته قلي بربك هل يوجد أجمل من الجنون؟

  • ضحك سرمد حتى ظهرت السعادة على وجهه وقال : ربما تكون محقا فلا بأس بالجنون حتى لمن يعقل فالمرء يحتاج للحظات يتجرد فيها من العقل والمنطق و يطلق الكائن المجنون الذي يحبسه في صدره وبعدها فليحدث ما يحدث فبعد إثارة التجربة لن تهم العواقب 

  • أشار نهاوند بيده بمعنى هذا ما قصدته وقال بعدها : ليس هذا فحسب فلو نظرت مثلا للأشخاص الذين لا يخجلون من الصراحة أو من إظهار ردة الفعل أمام الناس مهما كانت ويتصرفون على سجيتهم ستجد أن المهتمين بالمظهر الرزين ينعتونهم (بالمجانين) ولا يحاولون التصادم معهم ويتقون شرورهم وفق رأيهم طبعا فليس بالضرورة أن يكون ما يصدر منهم شرا , بعد هذا كله يا صديقي ما رأيك بلحظات مشتركة يكون الجنون فيها سيد الموقف؟ (يتبع)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم