حد الطار .. حد الإبهار


 

  • بحسبة السنين ما زالت التجربة السينمائية السعودية لم تنتهي من الحبو و ما زالت تتلمس الوقوف والمشي دون سقوط أو مساعدة خارجية بيد أن بعض التجارب التي أطلقها بعض السينمائيين السعوديين تعطي بوادر على الوصول لمرحلة النضج في وقت أقصر مما كنا نتوقع.

  • عبدالعزيز الشلاحي اسم بات اليوم هو الأهم في الساحة السينمائية السعودية على صعيد الإخراج فمنذ أن تعرفت على فنه لأول مرة من خلال فيلم عطوى وصولا لآخر تجاربه فيلم حد الطار كان عبدالعزيز يوحي دائما أنه مختلف ومتطور ويعرف كيف يسرد حكايته ويوظف ذاكرته الحية في هذا السرد فتجد أن ما تراه أمامك يشبه ما تخزنه ذاكرتك كثيرا وهذه نقطة إلتقاء بين الشلاحي والجمهور السعودي أعطته ميزة إضافية عن غيره من المخرجين.

  • جاء فيلم حد الطار كثالث تعاون بين الشلاحي والكاتب مفرج المجفل بعد فيلمي المغادرون والمسافة صفر , وهنا يجب الإشارة إلى نقطة مهمة جدا وهي أن مفرج كاتب متميز تنضج تجربته في عالم السيناريو فيلما بعد آخر ويعرف كيف يطرح قصته ببساطة شديدة وعمق في ذات الوقت وهذا ما جعل قلمه منسجما في روح واحدة مع رؤية الشلاحي الإخراجية فأثمر هذا الإنسجام أفلاما تحصد الإعجاب والجوائز.

  • وبالعودة إلى الفيلم الذي حصد جوائز في عدة مهرجانات سيجد المشاهد نفسه أمام قصة حب غير تقليدية نابعة من صميم البيئة السعودية وقد يرى الكثير من السعوديين أنفسهم في تلك القصة حتى وإن اختلفت الأسباب والأدوار.

  • حكاية دايل وشامة ليست مجرد قصة حب بل هي فلسفة حياة ما بين البداية والنهاية والفرح والحزن والرقة والقسوة وما بين خيارات تفرضها الظروف على الإنسان دون أن يترك له المجال في الإختيار.

  • يمكننا النظر للحكاية من خلال السيف الذي يعتبر رمزا من رموز السعوديين و هو الذي يختصر ما أراد المجفل قوله في هذا الفيلم فالسيف هو سلاح الفرسان في ساحات المعارك و أداة للاستعراض في تأدية الفنون والرقصات الشعبية وفي ذات الوقت له قرار نافذ لا رجعة فيه إذا تعلق الأمر بتنفيذ حدود الشرع في حق من يرتكبون جرائما تعرضهم لعقوبة الإعدام بيد أن الناس لا تنظر لمن يحملون السيف بنظرة واحدة فنظرات الإعجاب تذهب للأبطال الذين نسمع حكاياتهم في المعارك وصد الأعداء بينما يفوز من يستخدم السيف للعرضة و يمتهن هذه المهنة بأمرين الأول انبساط الناس من وجوده في أفراحهم والثاني ازدرائهم لمهنته واعتبارها من خوارم المروءة بينما يدب الرعب في نفوس الناس إذا ذكر السياف الذي يقطع الرقاب فضلا عن مقابلته التي تعتبر حدثا قد يرويه المرء لأبناءه وأحفاده فيما بعد.

  • ما بين السياف الذي ورث مهنة لا يحبها و (الطقاقة) التي ورثت مهنة امها لكي تنقذ الموقف المتأزم في عائلتها عشنا زمنا رائعا مع حكاية من صميم مجتمعنا الذي تغلفه الكثير من التناقضات التي ليس لها تفسير أحيانا ويتم وراثتها أبا عن جد دون محاولة فهم الظروف التي صنعتها ومدى ملائمتها لظروف الزمن الذي تجري فيه الأحداث , ومما يجدر ذكره أن الفيلم لم يتوقف عن التناقض وحسب بل عرج على خصائص المجتمع السعودي فرأينا التضحية و تقارب الجيران مع بعضهم البعض في الأفراح و الأتراح لذا فإن حارة (سعاف) تشكل نموذجا مصغرا لكل حارة في المملكة يسكن بين جدرانها الالاف القصص منها ما يضل خلف الجدران ومنها ما يبوح عن الزمن 

  • إن التناقض في الحكاية ما بين من يراها المجتمع تنثر السعادة في محيطهم بإرتكابها لخطيئة لا يغفر لصاحبها اجتماعيا و يبقى في الطبقات الدنيا بين الناس حتى لو تمايل على صوته علية القوم و أنفتحت أمامه أبواب لا تفتح إلا للخاصة و ما بين القاسي الذي يجز رقاب البشر كما يجز الجزار رقاب البهائم تمايلت الأحداث برشاقة كأنثى ممشوقة القوام أجبرها إيقاع السامري على الرقص لتعبر عن البهجة المكنونة داخلها بفعل الحياء 

  • الفيلم على مستوى الصورة والأحداث والحوار جاء مشابها لحقبة التسعينات التي تدور فيها الأحداث حيث الهدوء والرقي والتجدد في ذات الوقت فلا يشعر المشاهد بأي ملل خلال التسعين دقيقة التي يقضيها وهو يشاهد الفيلم.

  •  أما على مستوى الأداء التمثيلي فما زال يثبت فيصل الدوخي بأنه أصبح رقم صعب جدا  في عالم التمثيل السعودي فحضوره في الفيلم آسر لعين المشاهد دون تكلف أو مبالغة في الأداء بل تحكم الدوخي بردات فعله بكل سلاسة صانعا من (دايل) شخصية متميزة لن تنسى بدء من اسمها وظروفها وانتهاء بتجسيدها.

  • في حين كان مهند الصالح الأكثر قربا للقلب في هذا الفيلم حيث لم يساورني الشك للحظة بأن عتيق شخصية أعرفها وتعرفني والتقيت بها وتحدثت معها , إنها حقا شخصية لم تخرج عن الواقع قيد أنملة , والإشادة مستحقة أيضا لأضوى فهد التي قدمت أداء جميلا يندر بين الممثلات السعوديات اللاتي ما زلن في طور التجارب ولم يصلن بعد للنضج المأمول غير أن أضوى أعطت إشارات عن ممثلة سعودية قادمة بقوة والتحية موصولة لكل طاقم العمل من ممثلين وفنيين على جهودهم الرائعة التي أخرجت لنا فيلما سعوديا نفتخر به.

الختام

تناقضوا مثل (سعاف)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم