رشاش .. حقبة درامية جديدة


 

  • ربما منذ توقف السلسلة الشهيرة طاش ما طاش لم أسمع عن عمل درامي سعودي نال شعبية واسعة أو نقاشا في المجالس و وسائل التواصل الإجتماعي بإستثناء الحلقات المثيرة للجدل في أعمال ناصر القصبي الأخيرة سوى مسلسل رشاش الذي نال متابعة غير مسبوقة لعمل سعودي على الأقل في الأعوام الخمسة عشر الماضية.

  • المسلسل الذي جاء مقتبسا من قصة حقيقية وقعت أحداثها في المملكة خلال ثمانينيات القرن الماضي ومر بمعضلة هددت عرضه استطاع أن يجذب المشاهدين منذ الحلقة الأولى والفضل في ذلك يعود أولا لفضول الناس وشغفهم للتعرف على قصة العصابة التي روعت الآمنين وساهمت في إنشاء جهاز أمني مهمته حماية الطرق الرابطة بين المدن

  • والسبب الثاني الصورة الجميلة والإخراج المتقن خصوصا لمشاهد الأكشن التي شدت المتابعين وكتمت أنفاسهم واستمتعوا بتفاصيلها و بطبيعة الحال السيناريو التصاعدي الجيد والأداء المميز من بطل العمل وبعض الممثلين الآخرين.

  • إن العمل يعج بالإيجابيات التي من الممكن التوقف عندها بيد أن أهم نقطة إيجابية قدمها رشاش للدراما السعودية هي إعادة الثقة بين المشاهد السعودي والأعمال الدرامية السعودية فلا يخفى على أحد أن الثقة كانت معدومة بشكل شبه تام بين الطرفين ورغم المحاولات القليلة الجادة من بعض المنتجين والفنانين لكسب ثقة المشاهد السعودي إلا أن تلك المحاولات فشلت في غالبها فشلا ذريعا والسبب يعود لسوء المنتج في شكله النهائي بالإضافة إلى سبب آخر مهم جدا وهو ارتفاع ذائقة المشاهد السعودي الذي بات عنصرا ثابتا في مشاهدة وتقييم الأعمال الأجنبية فضلا عن الأعمال العربية.

  • وبالعودة إلى رشاش فإن التجربة التي أثارت جدلا واسعا بين الناس وأنقسموا حولها بين رافض لتجسيد شخصيات اللصوص والمجرمين خشية تشبه الشباب بهم وبين مؤيد للفكرة بإعتبار الفن أداة للتسلية وليست للتربية والتوجيه السلوكي ناهيك عن ميل المشاهدين إلى الشخصيات الإجرامية أكثر من الشخصيات الإيجابية وغني عن الذكر أن الكثيرون ينجذبون للسفاحين والقتلة في الواقع بعيدا عن الدراما من باب (رجال قادح وما يهمه شيء) أسست لمرحلة جديدة في عمر الدراما السعودية.

  • إن مسلسل رشاش قد رفع معايير القبول للعمل الفني السعودي و وضع المنتجين في دائرة صعبة فإما أن يقدموا شيئا يوازي رشاش أو أفضل منه و إما يتوقفوا عن الإنتاج حتى لا تكسد أعمالهم أو تتعرض للجلد المبرح من الجمهور السعودي الذي لم تعد ترضيه هرطقات الحرس القديم في الدراما السعودية.

  • وهنا يجد بنا أن نشير إلى أمر في غاية الأهمية فأبطال رشاش المغمورين في غالبهم سبب رئيسي للنجاح لأن الناس قد ملت من الوجوه المكررة التي لازمها الفشل لسنوات طويلة دون أن تشعر بالخجل لذا فمن غير المستغرب أن يتصدر يعقوب الفرحان المجلس الدرامي في المملكة هذه الفترة بعد أن برهن في هذا العمل على قوة موهبته والكاريزما العالية التي يتمتع بها و أن صبره لسنوات قاده اليوم للمحطة الأبرز دراميا خلال العقدين الأخيرين وربما بعد سنوات قليلة قد نتحدث عن الدراما السعودية على طريقة ما قبل وما بعد رشاش ويكون يعقوب هو المخضرم الذي عاش الفترتين و انطلق كأول سهم في الرمية ثم تبعه جيل كامل.

  • و لأن الكمال لله وحده فالعمل عانى من عدة سلبيات لا تقلل من نجاحه ولكن التطرق لها لابد منه لتلافيها في الأعمال القادمة وأول تلك السلبيات التصوير خارج المملكة فمهما اجتهدوا في صنع نموذج مماثل فليس الشبيه كالأصل لذا أتمنى أن تنتهي ظاهرة التصوير في الخارج ونعود لنرى ما يشبهنا على شاشاتنا والسلبية الأخرى تكمن في طريقة كتابة السيناريو والحوار فالكتابة لم تنطلق من منطلقات محلية على الإطلاق بل جاءت مقلدة من قوالب أجنبية لا تشبهنا خصوصا في تلك الحقبة أما الحوار فعانى من ضعف شديد جدا وعدم انسجام مع الشخصيات التي تنطق به مما أضعف كثيرا من المشاهد التي كانت تحتاج إلى حوار أفضل.

  • ومن المآخذ على العمل أنه فشل في نقل تفاصيل البيئة السعودية في الثمانينات بسبب وجود مخرج لا يعرف البيئة ويبدو أنه لم يسأل كثيرا عن الأمر فظهرت الصورة جميلة من الناحية التقنية بيد أنها خلت من تفاصيل وروح المجتمع في تلك الحقبة الزمنية وغني عن الذكر عدم اتقان اللهجة من أغلب الممثلين وكذلك عدم التركيز على الأزياء فظهر بعض الممثلين بملابس عصرية.

  • رغم كل السلبيات إلا أن العمل استطاع أن يجذب المشاهدين حتى آخر دقيقة رغم هبوط الرتم في الحلقات الأخيرة واقحام بعض المشاهد لتعبئة الوقت دون قيمة مضافة لتصاعد الأحداث بسبب الإخراج الرائع الذي قدم لنا صورة جميلة وأداء متفاوت بين الممتاز والعادي وأنقذ عيوب النص الذي غابت عنه اللمسة السعودية للأسف وكأن البلد خلت من كتاب السيناريو ويجدر بنا الإشارة هنا إلى اغتنام هذا العمل والإكمال من حيث ما توقف وعدم العودة للمرحلة التي تسبقه.

  • شكرا يعقوب الفرحان لأنك أحييت فينا الأمل مجددا لصناعة نجم سعودي موهوب ومجتهد ونستطيع تصديره كنجم نفتخر به ورغم اعتراضي على بعض الإختيارات للممثلين إلا أنني أود تحيتهم جميعا على اجتهادهم في أداء شخصياتهم إبراهيم الحجاج ونايف الظفيري وخالد يسلم وفايز بن جريس وعبدالله البراق والبقية شكرا لكم يا رفاق والقادم أجمل 

الختام

مسلسلكم (ملغم) يا الرائعين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم