تحطيم الأسطورة

في طفولتي تنقلت بين مدرستين متناقضتين تماما من حيث النظام والطبقة الإجتماعية للطلاب فالمدرسة الأولى يصح تصنيفها من فئة A والأخرى من فئة C .
في بداية الأمر ظليت صامتا أراقب الوضع الجديد فكثير من المشاهد التي أصبحت أراها تسجلها ذاكرتي لأول مرة ولم أعتاد عليها في سنوات دراستي الأولى في المدرسة الأخرى.
في مدرستي الأولى هنالك طبقتين من الناس وهم المدرسين والتلاميذ أما في الثانية كان الوضع مختلفا بعض الشي فالمدرسين على حالهم الذي أعرفه أما الطلاب فكانوا اكتشافا أراه لأول مرة.
 فقد رأيت الزعامة لأول مرة وهي تتجسد أمامي فالطالب فلان أعطاه الله بسطة في الجسم وليس له نفسها في العقل فسخر تلك القوة ليصنع لنفسه مكانة بين التلاميذ تصل لحد أن بعض التلاميذ يخدمونه في بعض الأمور كشراء ما يلزمه من المقصف أو حمل الحقيبة وما شابه ذلك والأعجب من ذلك أن هؤلاء يظلون بعض الطلاب تحت ظلالهم فيصبح فلانا وعلانا محسوبون عليهم فلا يجرؤ أحد على الإحتكاك بهم.
أما الفئة الكبرى من الطلاب فهي الفئة الصامتة التي تمشي بجانب الحائط وتخاف أن يكون محسوبا على أحدهم فيهلكون في المتاعب.
بقيت أراقب مع الفئة الصامتة وربما تسببت إعاقتي في إبعادي عن المشاكل فقد يسر لي المعلمون جزاهم الله خيرا الكثير من الأمور عدا عن بعض التنمر العابر الذي لا أهتم به على الإطلاق.
لا أخفيكم أنني كنت أخشى أولئك الأقوياء بشدة خصوصا أنني جديد في المدرسة والحي وليس لي عشيرة تحميني كما كنت في المدرسة الأولى حيث كنا مجموعة من الأقارب ندرس سويا.
ثم جاء اليوم الذي غير الموازين في ذهني وجعلني أعيد النظر في الأمر حيث كان في المدرسة أخوين يشكلان حلفا أسميه الآن حلف "الأبالسة" يخشاهم الجميع لكثرة مشاكلهم وقوتهم في العراك ولكن كل متجبر وله نهاية تليق به وهذا ما حدث معهم حيث بادر أحدهم بالتحرش بطالب كان زميلنا في الفصل اسمه (عمران) لم يكن طالبا متفوقا ولكنه كان طالبا خلوقا وصامتا لا يتحدث إلا بقدر جوابه عن السؤال فأبتلاه الله بذلك المتجبر فصبر عليه صبرا شديدا حتى جاء الموعد المحتوم فشاء الله أن يجتمع الأخوين على عمران في "الفسحة" وكنت أراقب المشهد وأقول في نفسي أعان الله عمران على بلواه ولكن كما يقولون المصريين "يوضع سره في أضعف خلقه" ففي تلك اللحظة غضب عمران غضبة "عمرانية" لم يهتك بها حجاب الشمس كما قال بن برد عن الغضبة المضرية بل هتك بها حلف "الأبالسة" وأشفى صدور قوم مؤمنين.
نعم عمران الصامت الذي فجر غضبه في الأخوين وأشبعهما ضربا ولكما علمني أول درس في حياتي وهو أن لا أنخدع بالمظاهر و أنساق وراء خوفي بل علي أن أمحص الرجال جيدا وأحث قلبي على الشجاعة في موضعها حثا.
لا تعلمون كم هي الأكف التي ارتفعت تدعو لعمران لأنه كسر شوكة الأخوين وأطفأ نارهم وخلع الخوف منهم من قلوب بقية التلاميذ فشكرا لعمران ولكل من علمني درسا في هذه الحياة وأضاف إلى ذاكرتي مشهدا لا ينسى.
الختام
تحياتي لك حيثما كنت يا عمران

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم