وداعا يا آغا
ليس من السهل على الانسان فقد أشخاص عاش معهم طويلا وشكلوا جزءً من ذاكرته في طفولته وشبابه أو حتى بعد نضجه وكهولته.
ذلك بسام بن أدهم الملا الذي عاش مع الملايين لسنوات طويلة يقاسمهم ليل السهر ومتعة الإجتماعات العائلية وأهداهم أوقاتا جميلة يصعب نسيانها
بسام الرجل الدمشقي الذي حمل دمشق بحاراتها وياسمينها وقصص رجالها ونسائها وأطفالها في قلبه وظل يسر بتلك الحكايات للمقربين منه ثم ما لبث حتى أسس لنفسه مدرسة اخراجية خاصة لا تشبه أحدا ولم يستطع تقليدها أحد قائمة تلك المدرسة على لعب دور "الحكواتي" الذي نقله ابن الملا من قهاوي الشام العتيقة حيث الكرسي والمنضدة ورجل يحكي إلى كاميرا تتحرك وشخصيات تتفاعل وموسيقى ترفع نسق الحدث الذي يغذيه بسام بصريا و ثقافيا بالتفاصيل التي مازال يكنزها في قلبه وعقله.
من أيام شامية جاءت اللبنة الأولى لحكاية مخرج تخلد اسمه في العقول والقلوب للأبد بفضل موهبته الفذه وحكاياته البسيطة التي تلامس الوجدان دون تكلف أو تعسير.
أن تكون مخرجا فذلك أمر وارد أما أن تكون مخرجا نجوميته أكبر من الممثلين فأنت بسام الملا ، نعم مسيرة طويلة لبسام الملا مع الاخراج عمرها ٤٠ عاما تميزت بقلة الأعمال وارتفاع جودتها في الغالب.
في الخوالي رأينا قصة الرجل الثائر والطفل الثائر و الرجل الذي أوفى نذره من أجل طفل أيضا سطر واحد لخص الحكاية لكن التفاصيل التي ربطت الحكايات ببعضها البعض دون خلل سرها لدى بسام الملا.
لا نستطيع أن نحصر تاريخ بسام كله في مقالة لكن لابد علينا أن نعرج على المحطة الأشهر في مسيرته والتي زادت نجوميته وظلم بها نفسه وربما ظلمه من أجلها الآخرون.
في باب الحارة فتح بسام الباب على مصراعيه ثم وقف في منتصف الحارة بين شخصياتها وأبطالها قائلا : يا سادة يا كرام كان يا ماكان في سالف العصر والأوان كان هنالك رجل فقير سطى على ثروة رجل غني وقتل الشاهد الوحيد على القصة وهنا انجذب المشاهدون رافعين أكفهم بالتصفيق و أصواتهم بقول ماذا بعد؟
استمر الملا في سرد حكاية باب الحارة حتى وصلت ذروتها فأفرغت الشوارع من أهلها الذين باتوا يتسمرون يوميا لمعرفة ماذا بعد في باب الحارة
ولا يخفى على الجميع أن باب الحارة أصبح ماركة مجتمعية فالاسم تجاوز المسلسل ليصبح كل شيء فلا عجب ان وجدت في السعودية مطعما اسمه باب الحارة أو في الجزائر مقهى اسمه باب الحارة ولا عجب ان شاهدت طفلا في السودان يحمل عصا ويلبس ملابسا شاميه يسمي نفسه العقيد معتز.
من باب الحارة خلق بسام حراكا فنيا واقتصاديا وثقافيا فزاد انتشار اللهجة الشامية في الدول المجاورة وكان لوكيشن باب الحارة وجهه يقصدها السياح القادمون إلى سوريا ما قبل الأزمة.
بيد أن النهايات لم تكن على ما يرام فلا أعرف الظروف التي أجبرت الملا على فتح باب الحارة مجددا بعد اغلاقه غير أن الخطوة في رأيي لم تكن صائبة وشوهت جمال السلسلة الأكثر تأثيرا في تاريخ سوريا الدرامي.
ربما هاجم البعض بسام بسبب الأجزاء الأخيرة من باب الحارة ولكن هذا لا يقلل من تاريخ رجل جعل الفن يؤثر في الأفراد والاقتصاد ولا يضير مسيرة مخرج عينه صنعت نجوما وأبطالا لم يتسنى لهم ذات النجاح مع مخرجين آخرين.
الختام
رحم الله صانع الروائع
تعليقات
إرسال تعليق