خيوط المعازيب .. انتاج حساوي فاخر

 

* علي أولا أن أعترف أن التقنية وتطبيقات العرض سلبت مني القدرة على مشاهدة الأعمال الدرامية بشكل يومي كما كان في السابق فلم يعد لدي الصبر لمعرفة ماذا سيحدث غدا وهذا ما اوقعني في مسألة عدم الاستمتاع مع الناس والحديث معهم عن احداث الأعمال الناجحة في رمضان.
* لكن اذا نظرت الى نصف الكوب الممتلئ فإنني انهيت مسلسل "خيوط المعازيب" في عدة أيام وأنا مشدود واتنقل بين الحلقات دون أن أفقد الدهشة والاستمتاع.
* يعد "البشت" رمز من رموز الهوية والثقافة السعودية فهو الحاضر كلباس يدل على الرفعة والسمو وعلو المقام الاجتماعي وكذلك يحضر في أفراحنا ومناسباتنا العامة كجزء من مكونات "الكشخة" للرجل السعودي.
*تلك الأقمشة الفاخرة المطرزة بالخيوط الذهبية حملت في طياتها أسرارا وحكايات انسانية لم نكن ندركها لكن مسلسل "خيوط المعازيب" روى لنا الحكاية البسيطة في سردها والعميقة في مضمونها في قالب ابداعي لم يكن للصدفة فيه أي مكان.
* فنيا كان العمل غنيا بالعناصر التي تستحق الإشادة والبداية من القصة "الأحسائية" الأصيلة التي صاغها حسن العبدي كما لو كانت جزءً من روحه أو كأنه أراد أن يعيد عقارب الساعة الى الخلف ويعود لذلك العالم الذي رآه طفلا صغيرا ليعيش فيه كبيرا ويأخذنا معه في الرحلة لنتعرف على الأحساء بأرضها وانسانها وحكايتها وما تحمله من أرث وتراث ومهن لم تندثر رغم تأثير الحداثة عليها وساعده على ابراز الحكاية فريق من كتاب السيناريو الرائعين.
* وقبل الحديث عن الإخراج والتمثيل لابد أن أشيد بعراب هذا المشروع الفنان إبراهيم الحساوي الذي غامر بإنتاج هذا المشروع الفني الضخم وظل مؤمنا به رغم التعثرات ونال مراده في النهاية وتربع مسلسل "خيوط المعازيب"  على رأس قائمة النجاحات الدرامية السعودية ويجب أن نعمم نموذج انتاج خيوط المعازيب على كل أعمالنا السعودية ونستبدل مفهوم "السلق" بمفهوم "التعتيق" وبالتأكيد ستكون اعمالنا أكثر من جودة واتقان من وضعها الحالي.
* ولعل من أبرز محاسن هذا العمل أنه أرسل رسالة لصناع الدراما المحلية تفيد بأن الناس تحب أن ترى ما يشببها أو تتعرف على الجديد وبلادنا زاخرة بالتراث والقصص واللهجات والمهن التي لم يتطرق لها أحد دراميا و غني عن الذكر بأن اللهجة الحساوية كانت مثار اعجاب وحديث الناس خلال الفترة الماضية وننتظر سماع المزيد من لهجاتنا بعيدا عن ما يعرف باللهجة البيضاء التي لا ترمز لشيء ولا تمثل أي حكاية أصيلة في ربوع المملكة.
* وبالعودة الى الفن في المسلسل فإن عبدالعزيز الشلاحي قدم حلقات هي الأجمل والأكمل اخراجيا في الدراما السعودية منذ سنوات طويلة وهذا ليس بمستغرب على المخرج الأهم في الساحة الفنية اليوم وأظنه استلهم رؤيته الإخراجية من "البشت" حيث رأينا الفخامة في الصورة وتشبعنا منها بصريا ورأينا دقة التفاصيل في السرد والديكور والراكور وتوجيه الممثلين وضبط الأداء و تمنيت لو أن الشلاحي أكمل اخراج العمل حتى النهاية ولكن شكرا له على ما قدم ومن حقه أن يلبس "البشت" ليتوج بالأفضل في رمضان على طريقة "ميسي" كما لا يفوتني أن أشكر المخرج مناف عبدال الذي أكمل العمل واجتهد فيه حتى النهاية.
* أما تمثيليا فأستطيع القول أن هذا العمل حقق المعادلة الصعبة حيث لم يفشل أحد ولم يكن هنالك اختيارا خاطئا لأي شخصية فكل ممثل كان في مكانه المناسب غير ان عبدالمحسن النمر تجلى على أرض آباءه وأجداده و عبر عن نفسه كأفضل ممثل عربي في رمضان حيث رأينا الخبرة والإبداع في أداء النمر وكأن أكسجين الأحساء كان يشحنه بطاقة لا مثيل لها في أي مكان آخر فكان أبو عيسى نتاج تلك الطاقة الأحسائية الخيرة ولعل أبو عيسى يستحق أن نفرد له مقالا كاملا وهو يستحق ذلك بلا شك.
* أبدع النمر وكذلك فعل إبراهيم الحساوي وفيصل الدوخي وابتهجت الشاشة السعودية بعودة الغائبين سمير الناصر وسعيد قريش و فارس الخالدي كما كسبنا شبابا رائعين مثل محمد عبدالخالق الذي قام بدور فرحان وبقية الشبان الذين ينتظرهم مستقبل واعد ان شاء الله.
*كنا في السنوات الماضية ننتقد ضعف العنصر النسائي في أعمالنا ولكن خيوط المعازيب أبى الا أن يكون استثنائيا في كل شيء لذلك رأينا الوجوه الجديدة لبنى عبدالحميد ومريم حسين وآمال الرمضان يتألقن بحضور لافت الى جانب ريم ارحمة ودانة آل سالم.
*قبل الختام*
لا يمكن الحديث عن خيوط المعازيب دون أن نتطرق للموسيقى التصويرية الرائعة التي لعبت دور البطولة بنجاح الى جانب بقية العناصر وكذلك أهدانا رابح صقر أغنية ستعيش في ذاكرتنا طويلا بأداء عفوي واحساس صادق كيف لا وهو ابن الأحساء وخير من يغني لها ويكمل "كشخة" هذا العمل الدرامي السعودي الجميل.
*الختام*
الحسا حساك لو الدهر نساك

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم