بني طز



" غير مهتم وغير مكترث بما قد يحدث ولا أبالي بأي عواقب أو تبعات لهذا التصرف" هل تعلم عزيزي القارئ أن هذا الوصف الإنشائي الذي يشبه ما يكتبه المترجمون في الأفلام يمكن أن يتلخص في كلمة واحدة من حرفين وهي "طز".

تلك الكلمة التي تسللت إلى العامية العربية في زمن العثمانيين تسجل اليوم حضورا لافتا فالأمور التي  يقال لها "طز" في هذا الزمن متناثرة على قارعة الطريق فلو أزحت حجرا من مكانه لوجدت تحته ما قيل له "طز" مرة واحدة على الأقل في العمر.

وأنني أتفهم وأجد العذر لمن برفع "طز" كشعار ومبدأ في حياته بشرط أن تنعكس عواقب الأمور عليه فقط وأن لا يتسبب بأي ضرر لأي مخلوق بسبب عدم مبالاته بعواقب عدم الاكتراث , لكنني في الوقت ذاته أرفض من يستخدم "طز" على طريقة أنا ومن بعدي الطوفان فهنا تكون تعبيرا صارخا عن الأنانية وحب الذات المفرط وعدم مراعاة ما يترتب على "طز" في هذه الحالة.

كلمة "طز" حرفين يتهاون الكثيرون في معناها وينطقونها بمناسبة وبدون مناسبة متناسين أثرها على الفرد و المجتمع , وكما أسلفت آنفا أتفهم أن يعود ضرر "طز" على الشخص نفسه كمن يهمل الانتظام على الدواء أو من لا يكترث لعدد ساعات النوم الطبيعية أو من يعيش على أكل الوجبات السريعة على مبدأ "طز" فالحياة مرة واحدة لا تتكرر فهنا وإن كان الفعل سلبيا في وجهة نظر الأغلبية إلا أن ضرره المباشر على الشخص نفسه دون الآخرين.

أما من يقود السيارة بسرعة جنونية قاتلة قد تسبب كارثة في الأرواح والممتلكات غير آبه بآداب الطريق وقواعد السلامة المرورية وقبل ذلك قيمة أرواح البشر ومقدراتهم يطبق شعار "طز" بشكل مستفز ولا يجب أن يطبق المجتمع ذات الشعار عليه بل يجب أن يردع هذا السلوك المشين الذي كبدنا خسائر بشرية ومادية لا نهاية لها.

ومع تطور الزمن تطور مفهوم "طز" وأصبح يظهر على شكل تحديات وساعات بث نرى فيها العجب العجاب من أشخاص يفترض أنهم بالغين عاقلين بل وبعضهم طاعنين في السن لكنهم اختاروا أن يفعلوا  وضعية "طز" بالأخلاق والمجتمع والأبناء والسمعة وتصل أحيانا للأسف الشديد إلى أمور تمس الدين والعقيدة دون اي تأنيب ضمير من صاحب الفعل الذي أعجبته الشهرة واللايكات وبالتأكيد ما يجنيه من أموال يستحق "طز" لأي مبادئ أو أخلاق.

حينما كنا صغارا تعلمنا من أهلنا أن "الملافظ سعد" و أن الكلمة الطيبة صدقة غير أن البعض اليوم لا مانع لديه من جرح كرامة انسان أو خدش مشاعره دون أن يرف له جفن ويسمي هذا السلوك صراحة وعدم مجاملة و "طز" بمشاعر المتضرر لأنه بالتأكيد "زعول" ولا يحب سماع الحقيقة.

 كذلك انتشرت آفة التعدي على خصوصيات الناس وقد تتسبب صورة أو فيديو في تدمير حياة شخص على كل الأصعدة والسبب أن من قام بالتصوير لم يقل لنفسه "طز" هذا الأمر لا يعنيني بل قام بفعلته وهو فخور بنفسه و لا ضير لديه في أن تتحول حياة إنسان آخر إلى جحيم فـ"طز" لتلك الحياة فالمهم أن نصنع الحدث و نشارك في "الترند" ونجلب أعلى الأرقام.

حاولوا التفكير مليا في مصير أي شيء يواجهكم قبل أن توقعوا عليه بـ"طز" فليس كل موضع مناسب لهذه الكلمة صغيرة الحجم كبيرة المعنى والتفسيرات والتي قد يترتب عليها في لحظة من اللحظات ما لا يحمد عقباه لا قدر الله.

والآن عزيزي القارئ أخبرني هل يحتوي قاموسك على "طز" وإن كانت إجابتك بنعم فمن أي الفريقين أنت ؟ من أولئك الذين يقولون "طز" لأنفسهم فقط ؟ أم من الذين لا يفكرون في عواقب "طز" إلا بعد فوات الأوان؟

الختام

هل تعلم أن كلمة طز تعني الملح؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم