سينما عبدالخالق الغانم




لعل القارئ يظن أن في العنوان خطأ أو لبس حيث أن المخرج السعودي الراحل عبدالخالق الغانم لم يترك إرثا سينمائيا كما هو الحال في التلفزيون وهذا صحيح بالتأكيد من الناحية النظرية ولكن من الناحية العملية فالغانم قد ترك ارثا عظيما يتجسد اليوم على شاشات السينما وإن كان بتوقيع مخرجين آخرين لكن بصمة الغانم حاضرة لا تغيب.

غني عن الذكر أن ذاكرتنا البصرية في المملكة شحيحة كشح المياه العذبة في الصحاري ولا نملك ذاكرة مصورة غنية إلا فيما صوره لنا طاش ما طاش برؤية المخرج الراحل عبدالخالق الغانم الذي تولى إخراج السلسلة الكوميدية الشهيرة على مدار عقد من الزمن  وضع فيها بصمته الخاصة ورفع مستوى إخراج العمل إلى مستوى عالي بعد أن كان بسيطا في الأجزاء الأولى وفقا لطبيعة الأعمال في ذلك التوقيت.

لم يتعامل عبدالخالق مع طاش كعمل كوميدي خفيف بل جعله أداة للمغامرة والتجربة والإبداع وتقديم شيء بسيط من امكانياته الإخراجية التي كانت تحدها ظروف الإنتاج وطبيعة النظرة للفنون في المجتمع و عدم وجود القنوات الرسمية الحاضنة والداعمة للسينما والفنون بشكل عام , ومن هذا المنطلق وثق لنا عبدالخالق شكل الحياة في السعودية منذ منتصف التسعينات حتى منتصف الألفية حيث نرى شوارع الرياض وجدة وأبها وكل مدينة سعودية تجولت فيها عدسة طاش وكذلك نرى الموضة الدارجة في ذلك الزمن على مستوى اللباس و قصات الشعر والذقن وفي أثاث البيوت والأغاني والفلكلور وغير ذلك من الأمور التي سادت وأصبحت جزءً من حياة السعوديين في تلك الفترة.

لم يكتفي الرجل الذي لفت انتباه السعوديين إلى كلمة إخراج والتي كان يتبعها بإسمه وصورته بتوثيق ماذكرته آنفا بل استغل كل فرصة ليقدم الجديد على مستوى الصورة والأفكار بطريقة إبداعية في زمن لا يساعد على النجاح ولكن الشغف والإيمان بالمشروع بمساعدة نجوم طاش ناصر القصبي وعبدالله السدحان أتاحوا الفرصة أمام الغانم إلى التجديد والابتعاد عن البساطة المعتادة في حلقات المسلسل وتقديم حلقات تحمل روح ولغة السينما مثل حلقة الإرشيف التي ما زلت استعجب من دقة تنفيذها في ذلك الزمن بقدر استمتاعي بها وكذلك قدم لنا حلقات مستوحاة من أفلام الرعب ولكن بطابع شعبي محلي وطرق باب الفانتازيا أيضا بحلقات مثل الكابوي وغيرها.

في تلك المساحة المحدودة للإبداع ترك عبدالخالق الغانم مرجعا ضخما ينهل منه اليوم كل المخرجين السعوديين ولا يكاد يمر عمل سعودي يتحدث عن حقبة منتصف التسعينات إلى منتصف الألفية إلا ويكون طاش ما طاش مرجعه الأول في قياس نبض الشارع ومواضيعه في ذلك الوقت وبالطبع شكل الحياة وتفاصيل الحقبة بالكامل فعين "أبو وفي" كانت وفية جدا للتفاصيل و وثقت كل ما يمكن توثيقه ليكون وثيقة بصرية مهمة جدا شاهدة على عصر مهم وحساس في تاريخ السعودية.

السينما السعودية اليوم مدينة لما قدمه عبدالخالق الغانم كمخرج من خلال طاش ما طاش بيد أنها ربما لم تستفد بعد من مدرسته الإخراجية التي مزجت البساطة بالروح الشعبية والكوميديا وخرجت بخلطة سحرية أعجبت الجميع كبارا وصغارا على امتداد المملكة والدول العربية قاطبة وهذه الروح ما زالت مفقودة حتى الآن في السينما السعودية وأظن أنه بات من الضروري إعادة إنتاج هذه الخلطة بروح عصرية تستفيد من الدعم الهائل لصناعة السينما في المملكة فحينها سيذهب الفيلم الترفيهي السعودي إلى منحنى آخر في شباك التذاكر و نكسب موجة جديدة من الأفلام السعودية تكسر القوالب التي لازال أغلب السينمائيين السعوديين يدورون في فلكها.

الختام

تحية وفاء لأول مخرج حفظنا اسمه وشكله عبدالخالق الغانم رحمه الله


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هوبال: فلسفة النجاة بالهلاك

لماذا يا عنز الشعيب؟

قصة قصيرة : وجبة كاملة الدسم